رياضة

إيهاب جلال: سيرة رجل حالم

رمى إيهاب جلال حجراً في الماء الراكد فتحداه الجميع أن يزيل بنفسه الصخور العالقة في مجراه، ولم يكن له أبداً في تحد كهذا وإلا فما قيمة الرحلة من الأساس؟

future المدير الفني لنادي الإسماعيلي الراحل إيهاب جلال

يقال إن الحالمين أكثر الناس تعرضاً للخيانة، هذا لأن الخيانة في حد ذاتها لا تجد مكاناً في قاموسهم، يفيقون على وقعها، يلملمون ما تبقى لهم من حزن ويرحلون في صمت.

إلا أن قيمة الرحلة عند هؤلاء الحالمين لا تكمن في النهايات المتوجة أو الحزينة، بل تكمن في مقدار الإلهام والتأثير في عدد من الناس خلال الرحلة، هؤلاء الذين ساورتهم الشكوك حول قيمة أنفسهم وجدوى ما يفعلونه، لولا أنهم وجدوا شخصاً حالماً يقول لهم دون كلمات، إن الطريق واسع فلا يخيفهم ضخامة أجساد السائرين فيه منذ عقود، وإن الاختلاف ضروري وإلا فما قيمة العقول، وإن الوصول لنهاية الطريق ليس مهماً بقدر أهمية محاولة الوصول.

في كرة القدم المصرية، كان هذا الرجل الحالم اسمه إيهاب جلال.

تحليل الأداء

وحده إيهاب جلال كان يليق به أن يرمي حجراً في ماء كرة القدم المصري الراكد حد التعفن، فكان أول من استعان بالتحليل الرقمي في عمله بعد أن تعاقد مع شركة ناشئة تقدم إحصائيات رقمية للدوري المصري، آمن جلال بها وتعاون معها بصدق، فكان له دور في تحديد ماهية الإحصائيات التي تقدمها تلك الشركة.

لا نقصد هنا أن الشركة قصة نجاح في حد ذاتها، ولا نهدف هنا تقييم قصة إيهاب نفسه كقصة نجاح مكتملة، لكنه كان دوماً خطوة ضرورية حتى تتسارع بقية الخطوات وصولاً للتغيير، فكم من العاملين في مجال التحليل الرقمي كانت بدايتهم من شركات كتلك ثم تطور الأمر لفهم أكبر لمسألة تحليل البيانات وصولاً لحركة تغيير واضحة في مجال التحليل الفني للاعبين والأندية تحدث الآن على يد شباب في الـ20، كان أول من آمن بهؤلاء هو إيهاب جلال.

الإعلام الرياضي

في مشهد غير معتاد على الإطلاق، يقف مدرب مصري كان قد حقق نجاحات واضحة رفقة فرق لم تكن لتطمح في كل هذا النجاح، وبجواره محلل فني ينتمي لفئة الإعلام الرياضي الجديد لم يلعب الكرة من قبل، لكنه يشاركه والجمهور نقاشاً فنياً حول أفكاره التدريبية من خلال برنامج يحمل اسماً تكتيكاً خالصاً «العين الثالثة».

يمكنك هنا أن تكون شاهداً على اللحظات القليلة التي يتحدث بها جلال بثقة مطلقة، فهو يتحدث عن أفكار مختلفة عن السائد في محيطه، لكنها مدروسة بعناية. يمكنك أيضاً أن ترى في أعين إيهاب جلال كثيراً من الشغف والترقب وهو يشرح أفكاره عبر برنامج «العين الثالثة»، لكن الأهم أنه وبخلاف عدد من المدربين الذين ظهروا في البرنامج كان لديه من الوعي لخوض نقاشات فنية مع مقدم البرنامج أحمد عز الذي سيقود بعد ذلك ثورة ستجبر كثيرين على الاعتراف بالمحللين الفنيين الذين لم يلعبوا كرة قدم من قبل.

أبناء إيهاب جلال

هناك عدد من اللاعبين يمكنك تعريفهم دون مواربة على أنهم صنيعة إيهاب جلال، عدد لا بأس به من اللاعبين وقفوا على قمة الكرة المصرية خلال أوقات محددة بفضل إيهاب جلال، وما إن تركوه وانتقلوا لأندية أكبر حتى فقدوا بريقهم تماماً، وكأنهم فقدوا جزءاً من قواهم التي كانت في عقل إيهاب جلال لا في أجسادهم.

وفي هذا ليس تقليلاً من قدرات هؤلاء اللاعبين، بل عرفاناً بقدرة هذا الرجل على انتقاء لاعبين محددين لتنفيذ أفكار محددة، ألهم هذا الرجل عدداً لا بأس به من لاعبين متوسطي المستوى بأنهم قادرون على مجابهة كبار الأندية ولاعبيها طالما أنهم يؤمنون بقدراتهم ويعملون في ظل تكتيك واضح يفهمونه، وذلك تحديداً هو جوهر كرة القدم.

يدين هؤلاء اللاعبون لإيهاب جلال بتاريخهم رفقة كرة القدم، ويذكرونه بكل إجلال وتقدير ويصفون للناس بعد رحيله كيف أنه تحمل كل الضغوطات عنهم طوال الطريق، وكيف أنه كان يقف وحيداً أمام الجميع ليحمي لاعبيه، وكيف أنه ظل مرتبطاً بهم طوال مسيرتهم مع الكرة حتى بعد رحيلهم نحو أندية أكبر، لكن ألم يستحق جلال هو الآخر الرحيل نحو أندية أكبر؟ بالطبع استحق لكنه فعلها بطريقته المعهودة التي لا يعرف غيرها.

الزمالك والمنتخب

استطاع إيهاب جلال فرض نفسه على الساحة، فارتبط اسمه بقمة الهرم الكروي في مصر مرتين؛ الأولى بعد أن تعاقد معه مرتضى منصور لقيادة الزمالك في منتصف الموسم، والثانية بعد أن تقلد منصب المدير الفني للمنتخب المصري لثلاث مباريات فقط.

هل أخطأ جلال في قبول المهمتين؟ لا يمكنك أبداً أن تجيب على هذا السؤال بشكل حاسم خصوصاً أن رحلة جلال نفسها لم تكن لتكتمل إلا بهذا الاعتراف بأنه الأفضل في مصر.

لكن السؤال الأكثر منطقياً، هل أخطأ هؤلاء بإسناد المهمة إلي إيهاب جلال، ما الذي انتظروه من إيهاب جلال ولم يتحقق؟

من يعلم جلال جيداً، يعرف أنه لم يكن ليتنازل عن جوهر أفكاره مع مغريات المؤسسات الكبرى، وربما توقع له ألا ينجح لأنه لا يشبه تلك المؤسسات الغارقة في إشكاليات هو نفسه ضدها تماماً.

رمى جلال حجراً في الماء الراكد، فتحداه الجميع أن يزيل بنفسه الصخور العالقة في مجرى الماء، ولم يكن لجلال أن يتراجع أبداً في تحد كهذا، وإلا فما قيمة الرحلة من الأساس، وما قيمة الحجر الأول الذي رماه؟

الإسماعيلية

كان لا بد أن يكون الفصل الأخير في قصة إيهاب جلال مسرحه مدينة الإسماعيلية تحديداً. يتشابه جلال مع الإسماعيلية بشكل عجيب، تلك المدينة التي يمكنها أن تتحدى الكبار وتجبرهم على الاعتراف بها، فتظن أنها فازت أخيراً بعد هزائم متتالية، لكنها لا تعلم أن هذا الاعتراف يتضمن بشكل خفي جولة أخرى تتجرد فيها المدينة من أسلحتها لتهزم مجدداً.

لم يجد شعب الإسماعيلية في وقت الهزيمة أحداً يتشبث به إلا إيهاب جلال، وهو الوقت الذي لا يمكن أن يصمد فيه إلا أبناء المدينة. رجل كما يشهد كل من حوله يتغذى على القلق في صمت، فلماذا يلقي بنفسه داخل أزمة نادٍ شعبي مثقل بالديون لا يهتم به أحد، إلا لأنه يعرف يقيناً أن كرة القدم في تلك المدينة لا بد أن تبقى، لعل أحدهم يكمل الرحلة ولو بعد حين.

لا نملك الآن إلا أحاديث إيهاب جلال عقب وفاته، أحاديث عن نبله وعن الظلم الذي تعرض إليه وعن قدرته الفائقة في إيهام من حولة بأنه بخير، إلا أننا في المقابل لا نملك إلا أن نفرد سيرته الحالمة التي أحدثت تغييراً في مستقبل كثيرين.

# إيهاب جلال # رياضة # كرة قدم # كرة القدم المصرية

ليسوا جميعاً إيتو ودروجبا: كيف تتبخر أحلام الاحتراف الأفريقي في أوروبا؟
مَن الذي أغضب روي كين؟
جوارديولا يمدح خصومه: هكذا أصبحت التيكي تاكا مذهباً

رياضة